الانتخابات الأمريكية- الكونغرس والرئاسة جناحان للحكم أم سباق نحو السلطة؟

المؤلف: طلال صالح بنان11.11.2025
الانتخابات الأمريكية- الكونغرس والرئاسة جناحان للحكم أم سباق نحو السلطة؟

وسط زخم الاهتمام المتصاعد بالانتخابات الرئاسية الأمريكية الوشيكة، يغفل الكثيرون حقيقة مفادها أنه في ذات اليوم المصيري، تُجرى انتخابات تشريعية حاسمة لشغل مقاعد الكونغرس بغرفتيه الموقرتين: مجلس النواب الذي يضم 435 مقعداً، وجزء هام من مجلس الشيوخ الذي يتكون من 100 مقعد. علاوة على ذلك، وعلى صعيد المجالس المحلية، تُقام في نفس اليوم انتخابات لاختيار حكام بعض الولايات وأعضاء مجالسها التشريعية، فضلاً عن انتخاب العمد الذين يتم تفويضهم جميعاً بمسؤولية إدارة شؤون الولايات والمحليات والبلديات، في كل أرجاء البلاد. ولكن، بالتركيز على الحكومة الفيدرالية المركزية في واشنطن، نجد أن الانتخابات التشريعية تجرى لشغل ما مجموعه 535 مقعداً (435 نائباً في مجلس النواب ينتخبون لفترة ولاية مدتها سنتان، بالإضافة إلى ثلث أعضاء مجلس الشيوخ الذين يتم انتخابهم لولاية تمتد لست سنوات). إن انتخابات الكونغرس لا تقل بأي حال من الأحوال أهمية عن الانتخابات الرئاسية، بل قد تفوقها أهمية في بعض الأحيان، إذ يشهد السباق تنافساً شرساً بين الحزبين الرئيسيين للظفر بالأغلبية في أحد المجلسين أو في كليهما. إن هاتين المؤسستين السياسيتين العريقتين، وهما الرئاسة والكونغرس، تشكلان مع المحكمة الدستورية العليا أركان الحكومة الأمريكية. وعندما نتحدث عن الحكومة الأمريكية، فإننا نشير إلى السلطات الثلاث مجتمعة: الرئاسة والكونغرس والمحكمة الدستورية العليا، وليس فقط السلطة التنفيذية المتمثلة في البيت الأبيض، وهو خطأ شائع ترتكبه وسائل الإعلام. والصحيح أن نقول: "إدارة الرئيس بايدن الديمقراطية"، وليس "حكومة الرئيس بايدن الديمقراطية". في العادة، لا تحظى الانتخابات التشريعية بالاهتمام الإعلامي المكثف الذي تحظى به الانتخابات الرئاسية. ففي يوم الثلاثاء القادم، سيتوجه الناخب الأمريكي إلى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيس الجمهورية، بالإضافة إلى انتخاب أعضاء السلطة التشريعية، أي الكونغرس بغرفتيه: مجلس النواب بكامل أعضائه البالغ عددهم 435 نائباً، وثلث مجلس الشيوخ الذي يضم 33 عضواً. لقد كان الهدف الأساسي للدستور الأمريكي هو إرساء دعائم حكومة غير متسلطة لا تتعدى على حقوق الأفراد وحرياتهم، فابتكر الآباء المؤسسون صيغة فريدة للفصل بين السلطات، بهدف تقسيم السلطة بين مؤسسات سياسية متنافسة، بحيث تدافع كل واحدة منها عن حصتها في "كعكة" السلطة، بعيداً عن سطوة السلطات الأخرى، وذلك بمنح كل سلطة الحق في الرقابة على سلوك السلطات الأخرى، لمنع أي تدخل في نصيبها من سلطة الحكومة. إن مجلس النواب يمثل ركيزة أساسية لإدارة شؤون البلاد وحكمها. وتتمثل أهم صلاحيات الكونغرس في سن القوانين ومراقبة السلطات الأخرى، وخاصة السلطة التنفيذية. إلا أن السلاح الأهم في ترسانة مجلس النواب السياسية هو السيطرة على الموارد المالية للدولة، سواء من حيث جمعها أو إنفاقها. فبصورة تقريبية، لا يمكن أن يدخل سنت واحد إلى خزينة الدولة أو يُصرف منها إلا بموافقة مجلس النواب. فعلى سبيل المثال، لا تستطيع السلطة التنفيذية (البيت الأبيض) تفعيل بنود الميزانية العامة للدولة إلا بعد الحصول على موافقة مجلس النواب أولاً. يحتدم الصراع بين الإدارة والمجلس عندما تختلف الجهة المسيطرة على كل منهما من حزب إلى آخر. فعلى سبيل المثال، في حال وجود رئيس ديمقراطي، تصبح برامجه السياسية أكثر تعقيداً في ظل سيطرة الجمهوريين على مجلس النواب. ومن المعروف عن الإدارات الديمقراطية ميلها إلى الإنفاق ببذخ وتوسيع نطاق تدخلها في الشأن الاقتصادي والاجتماعي، بينما يميل الجمهوريون إلى الحد من تدخل الدولة في العملية الاقتصادية، ويظهرون ميلاً أكبر إلى التقتير في صرف الموارد على الخدمات الاجتماعية، مثل التعليم والتأمين الصحي والإنفاق على الخدمات البلدية والرعاية الاجتماعية. هناك وظيفة خطيرة أخرى لمجلس النواب، تمس استقرار النظام السياسي الأمريكي، وهي حق المجلس في عزل الرئيس أو أي مسؤول رفيع المستوى في الإدارة، وإن كان هذا الإجراء لا يتم تفعيله إلا بموافقة مجلس الشيوخ. ولكن أخطر مهام مجلس النواب هي اختيار رئيس الجمهورية، في حال عدم حصول أي مرشح رئاسي على الأغلبية المطلقة البالغة 270 صوتاً انتخابياً. ففي حالة تشتت أصوات الناخبين بين عدد أكبر من المرشحين، يتدخل مجلس النواب لاختيار الرئيس القادم. وفي النظام الرئاسي الأمريكي، لا يمكن تصور تشكيل حكومة ائتلافية، على غرار ما هو سائد في النظام البرلماني. وإذا علمنا أن التصويت في غرفتي الكونغرس يجري في كثير من الأحيان على أسس حزبية، فمن الذي سيصوت له مجلس النواب الجمهوري في الانتخابات القادمة؟ بالطبع للرئيس ترامب. على أي حال، فإن وظيفة اختيار رئيس الجمهورية من قبل مجلس النواب هي حالة افتراضية لم تحدث من قبل. ولكن في ظل اتساع دائرة الاستقطاب الحالية، تعتبر هذه الحالة الافتراضية محتملة. ومع ذلك، فإن ما يدعم استقرار النظام الرئاسي الأمريكي هو قوة ومتانة تماسك نظام الحزبين، وهذا ما يميز ويفسر أساساً حالة الاستقرار "المستدام" للنظام الرئاسي، مقارنة بالنظام البرلماني. باختصار، الانتخابات التشريعية لأعضاء الكونغرس لا تقل أهمية عن الانتخابات الرئاسية، لأن الحكومة الأمريكية لا يمكن أن تنهض إلا بجناحيها الرئاسي والتشريعي. ومع ذلك، نشهد تركيزاً إعلامياً وسياسياً وحتى جماهيرياً على الانتخابات الرئاسية، مع ما يشبه التجاهل للانتخابات التشريعية.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة